Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

القضية المستحيلة: المساس بأمن الدولة , تونس 2023

  1. بعض التاريخ للتفكر

أول من استعمل مصطلح وتهمة “التآمر ”بتونس كان الاستعمار الفرنسي , وذلك بغرض التنكيل بقيادات الحركة الوطنيّة المقاومة له. ويعود التنصيص التشريعي على جريمة التآمر على أمن الدولة إلى سنة 1926 من قبل المستعمر وقد نُقلت الأحكام والفصول المتعلّقة بهذه الجريمة من القانون الفرنسي إلى القانون التونسي من خلال الأمر العليّ المؤرخ في 29 جانفي 1926 وأُسندت صلاحية النظر فيها للمحاكم الفرنسية المنتصبة في تونس. واثر خروج مظاهرات 08 و09 أفريل 1938 التي دعا إليها الحزب الدستوري الجديد , استشهد 23 تونسي، ,والقي القبض على الحبيب بورقيبة وبعض المناضلين الآخرين وتمّ سجنهم بتهمة التآمر على أمن الدولة.

في الحقبة البورقيبية, أنشأ بورقيبة المحكمة العليا، وعُرفت آنذاك بالمحكمة الشعبية، لملاحقة المنافسين السياسيين له، وكان من بينهم الطاهر بن عمّار الذي أمضى على وثيقة الاستقلال. ووظّفت السلطة هذه المحكمة الاستثنائيّة لحسم الصراع اليوسفي البورقيبي، واستهدفت المحاكمات 315 تونسي من بينهم القادة اليوسفيين بتهم عدة مثل التآمر على أمن الدولة. وتمّ الاعتماد أيضا على التهمة ذاتها لمحاكمة المشاركين في “محاولة الانقلاب” على بورقيبة قبيل الشروع في تنفيذها، المعروفة بـ”مؤامرة 1962″، والتي شملت 23 تونسيا، حُكم على 11 منهم بالإعدام. ووقعت ملاحقة الشيوعيّين وآخرين منتمين إلى حركة برسبكتيف perspectives  في سنة 1968، إذ أحيل 108 تونسي على محكمة أمن الدولة بتهمة التآمر على أمن الدولة، ووقع الحكم عليهم بعقوبات وصلت إلى 20 سنة مع الأشغال الشاقة . استمرّت ملاحقة اليساريين سنة 1974، لتطال 202 شخصا من لواء “العامل التونسي”، حوكِموا من أجل نفس التهمة. وعند نهاية تجربة التعاضد، وقع الحكم علىى الوزير أحمد بن صالح من طرف المحكمة العليا بعشر سنوات سجنًا مع الأشغال الشاقة ، للخيانة العظمى التي تدخل ضمن جرائم الاعتداءات على أمن الدولة . في اخر عهد الحبيب لورقيبة تعرض الإسلاميون لنفس الممارسات, بل تضاعفت الانتهاكات ضدهم تحت ذات اليافطة وحوكم المئات بالسجن وحتى الاعدام.

بعد انقلاب 7 نوفمبر 1987, لجأ نظام زين العابدين بن علي إلى تهم التآمر ومحاولة قلب النظام والاعتداء على أمن البلاد للتنكيل بمنافسيه ومعارضيه. فتمّ على سبيل المثال توجيه تهمة التآمر فيما عُرف بقضية “برّاكة الساحل“. في سنة 1991. وتعرض الإسلاميون في عهده لمظالم كبيرة اعتمدت على نفس المفاهيم طالت الالاف من مناضلي حركة النهضةوجل قياداتها.

بين 2011 و2021, في عشرية الحريات وفي ضل حكم المؤسسات المنبثقة على التجربة الديموقراطية الوليدة, لم يقع اطلاقا اللجوء الة هذه المفاهيم المرتبطة بالحكم الاستبدادي للتعامل مع المعارضة السياسية.

وقع الرجوع لذات الممارسات الأمنية والغطاء القانوني ذو الأصول الاستعمارية بعد انقلاب 25 جويلية 2021 لحماية المسار الانقلابي والتغطية على مشروع تفكيك المؤسسات المنبثقة عن الثورة التونسية. .

بعض التواريخ المركزية لصيرورة الأحداث:

10 فيفري 2023انطلقت القضية إجرائيًا، بمراسلة وجهتها الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب والجرائم المنظّمة والماسّة بسلامة التراب الوطني إلى وزيرة العدل ليلى جفال، تضمنت المراسلة جملة نصّها: “بلغ إلى علمنا أن عددا من الأشخاص بصدد التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي“.
10 فيفري 2023وجهت ذات المراسلة إلى النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس مع ملاحظة “للتعهد والإذن بإجراء الأبحاث اللازمة”، لتقوم النيابة العمومية بتعهيد الوحدة الأمنية بالأبحاث
10 فيفري 2023لقاء وزيرة العدل جفال مع الرئيس سعيد الذي يتابع شخصيا القضية وصرح “تابعت بنفسي الإجراءات بالأمس وحتى منتصف الليل وحتى الساعة الواحدة تقريبا”. ويضيف: ” يقولون أن هذا يتآمر على أمن الدولة ثم يخبرك بأن تصدر بطاقة جلب غدا.”  ويواصل: “يعني في النيابة يقولون أحضره غدا وهو يتآمر على أمن الدولة ويحضر للاغتيال والآخر يخبرك أنه سيذهب له في الصباح. يبدو لي أن هذا لم يحدث في أي دولة. نحن إزاء حالة تلبس ما يعني أن تتدخل قوات الأمن ثم تعلم النيابة ليس أن يطلبوا انتظار السبت والأحد منتظرين عودة وكيل الجمهورية يوم الإثنين.” على القضاة اليوم أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية”. بعد هذه التصريحات, أوقفت وزارة العدل في الأسبوع الموالي قاضي التحقيق بالمكتب 23 بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب عن العمل -وهو المكتب المجاور مباشرة لمكتب قاضي التحقيق المتعهد بهذه القضية- بسبب إبقائه لأحد المتهمين في حالة سراح وعدم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه. 
11 فيفري 2023إيقاف الناشط السياسي محمد خيام التركي ورجل الأعمال كمال لطيف، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي
مساء 13 فيفريايقاف 5 متهمين آخرين بينهم موظفون ورجال أعمال والمدير العام لإذاعة موزاييك نور الدين بوطار
16 و 18 و 21 فيفري 2023تدوين 3 شهادات لأشخاص مجهولي الهوية تم سماعهم تباعا بملفات الموقوفين.
17 فيفري  توجه قيس سعيد إلى مقر وزارة الداخلية قائلا: “هؤلاء الذين تم اعتقالهم إرهابيون”هل هناك بلد في العالم والتاريخ فيها من يطلب اغتيال رئيس الجمهورية وهو تحت حماية الأمن؟“.  “أثبت التاريخ قبل أن تثبت المحاكم أنهم مجرمون”. وتتساءل الهيئة عن الحاجة إذن للمحاكم إن أصدر رئيس الدولة حكم الإدانة من الآن، معتبرة إن هذا التصريح يؤكد واقع ممارسة السلطة السياسية ضغوطات على القضاء والتدخلات لفرض “إدانتهم“.”من سيتولّى تبرئتهم فهو شريك لهم”.
22 و23 فيفريأذنت النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بالاحتفاظ بقيادات من مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” وهم عصام الشابي وشيماء عيسى وجوهر بن مبارك إضافة إلى ديبلوماسي تونسي سابق التقى خيام التركي في وقت سابق.
في 1 مارساستقبل الرئيس مرة أخرى وزيرة العدل ليشدد في حديثه لها عن “الدور الرئيسي الذي يجب أن يضطلع به القضاة في هذا الظرف”. “من تآمروا على أمن الدولة الداخلي والخارجي ومن أرادوا ولا يزالون مصرّين على التنكيل به في كل المجالات لا يمكن أن يلعبوا دور الضحية”.
3 مارس 2023استقبل سعيّد رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء “من تآمروا على أمن الدولة الداخلي والخارجي يدعون أنهم منقذون ووطنيون، في حين أنهم ارتموا في أحضان الخارج وحاولوا ولازالوا يحاولون التنكيل بالشعب”.
لم يفوت الرئيس, اعلى سلطة تنفيذية يفترض بها الحياد التام, اي فرصة للتعبير عن تدخله المباشر في سير القضاء وحاصر القضاة بالتخويف والارهاب من مغبة اطلاق سراح الموقوفين ووصفهم بالخونة والمنكلين بالشعب المرتمين في احضان الخارج, بعد ان اتهمهم بداية بمحاولة اغتياله
  • كيف أصبحت المحاكمات السياسية بتونس ممكنة بعد 25 جويلية 2021؟
  • عبر إخضاع القضاء التونسي للسلطة التنفيذية بالكامل وترهيبه، كشرط أساسي للإعداد المسرحي للمحاكمات السياسية المبرمجة لحماية الانقلاب.

بعد انقلاب 25 جويلية 2021,  وقع حلّ المجلس الأعلى للقضاء وإعفاء القضاة، ووقع المسّ جوهريّا من استقلالية القضاة والزجّ بهم في مناخ من الترهيب والتخويف  عبر العزل والتشهير والملاحقات القضائية وتعطيل الحركة القضائية وعدم الامتثال لقرارات المحكمة الادارية، في ظلّ إمساك سعيّد بكل السّلط في الدولة.

  • عبر ضرب حق الدفاع

علما أن القضية تتعلق بقائمة من التهم الواقعة تحت طائلة القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإرهاب والمجلة الجزائية ,و تصل العقوبة فيها إلى الإعدام و 72 سنة سجنا:

  • وقع تكييف القضية كقضية إرهابية وتواصل البحث فيها لدى الوحدة المختصة في تعتيم  تام ورفض الادلاء بتفاصيل الاتهامات الموجهة للموقوفين والكشف عن الأدلة المبنية عليها
  • . مُنع محامو الموقوفين  من الحضور لجلسات الاستنطاق ومنعوا من مقابلة منوبيهم استنادا إلى قانون مكافحة الإرهاب الذي يتيح استنطاقهم في الـ 48 ساعة الأولى دون وجوب حضور محامي.
  • لم بقع الاستماع للمتهمين منذ ايقافهم , أي منذ ما يقارب 8 اشهر من تاريخ اليوم, من حاكم التحقيق, ووقع التمديد قي مدة ايقافهم التحفظي بحجة مواصلة التحقيق الذي لم يبدأ أصلا
  • ملف بلا وقائع ولا حيثيات

تأتي الفصول المتعلّقة بالتآمر (فصل 68، 69 و70 من المجلة الجزائية التونسية) لتجريم التخطيط المسبق لتلك الجرائم في حال عدم وقوعها وتنفيذها. فالمؤامرة تقتضي وجود وفاق بين شخصين أو أكثر عزموا وخطّطوا وقرّروا تنفيذ الاعتداءات المذكورة دون اشتراط وقوعها. يبنى التآمر على أركان وشروط يمكن اختزالها في استعمال الوسائل العنيفة، كالتسلّح، وإعداد مخطط إجرامي، ومعاداة الديمقراطية والوسائل المدنية السلمية والإيمان بفرض الرأي بالقوة.

  • غابت في القضية القرائن والأدلة وغاب فيها احترام أبسط الإجراءات القانونية وضمانات المحاكمة العادلة،
  •  لم تقع مجابهة الموقوفين فيها بأدلة مادية عن أفعال يجرمها القانون، بل تم الاستناد في استنطاقهم إلى شهادات لمجهولين. في حين يظهر أن “الأطراف الخارجية” هم ديبلوماسيون معتمدون في تونس على غرار سفراء دول مثل إيطاليا وبريطانيا وفرنسا.
  • لم يقع مجابهة الموقوفين بالشهود المتخفين وراء قانون مكافحة الإرهاب, علما ان المكافحة ممكنة عبر الوسائط الإلكترونية واعتماد الحواجز التي تحول دون التعرف على الشهود.
  • لم يقع، بل يستحيل مجابهة الشهود الدبلوماسيين الأجانب بالموقوفين, لعدم رغبة سلطة الانقلاب في ذلك للحرج الدبلوماسي والدولي البالغ, وللاستحالة القانونية طبق قواعد الحماية الدبلوماسية المنصوص عليها باتفاقية فينا.
  • لم يقع اعتماد تقارير الأجهزة الأمنية التونسية فيما يخص وجود او عدم وجود خطط الاضرار بأمن الدولة واغتيال الرئيس, ووقع الاستعاضة عنها بقصص منقولة عن اشخاص غير معلومين بالجالية التونسية بالخارج. ارتكزت شهادة  xxx على تلقيه اتصالا من صديق له مفاده “تواتر حديث من قبل الجالية التونسية المتواجدة بأوروبا خاصة فرنسا وبلجيكا حول مخطط لقلب نظام الحكم بالبلاد التونسية وعزل السيد رئيس الجمهورية قيس سعيّد”.  وصرح هذا المخبر في شهادته أن “المخطط الانقلابي على نظام الحكم بالبلاد التونسية تم تداوله بالفضاء الأوروبي منذ فترة نظرًا أن جل الاجتماعات والحلقات التي تم عقدها في هذا الإطار تمت في الخارج”. ويذكر XXX في معرض شهادته أسماء كثيرة لسياسيين وبعض الأمنيين الحاليين والسابقين ورجال أعمال ذكر أنهم على اتصال وثيق بكمال لطيف الذي يخطط للانقلاب على رئيس الجمهورية، وقد يستعمل العنف في ذلك بمعية القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري “الذي يقود مجموعة من الخلايا النائمة بمساعدة رؤساء البلديات التابعين لحزبه” وفق شهادته. “أؤكد لكم أن المعطيات منذ البداية تشير إلى كمال لطيف كرأس مدبّر لعملية الانقلاب على رأس السلطة وهذا ما أكدته الأحاديث اليومية في صفوف الجالية التونسية بالخارج“.
  • توجيه التهمة الجنائية لأي ما يتطلب الحد الأدنى من الإثباتات , لكن في قضية الحال وقع اعتماد الاثارة الإعلامية لتجييش الراي العام على حساب حقوق المتهمين وسمعتهم. على سبيل المثال لا الحصر, ورد اسم شخصية برنار هنري ليفي الجدلية في جملة وحيدة على لسان المخبر السري الذي صرح أن كمال لطيف التقى بليفي في لوكسمبورغ في حين أكد هذا الاخير  أنه لم يزر لوكسمبورغ سابقا ولا دليل على سفره بالملف.
  • وقع اتهام الموقوفين بالتواصل مع دبلوماسيين أجانب. بهذا الخصوص وجب التنويه الى ان اتفاقية فيينا لا تمنع كما اسلفنا القول اجتماعات النشطين السياسيين والمواطنين مع ديبلوماسيين مدنيين أجانب معتمدين لدى الدولة التونسية ينتمون إلى سفارات دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا ,وهو ما لا يجرمه ايضا القانون التونسي.   
  • توجيه الاتهام للموقوفين السياسيين بوجود شبهات بخصوص لقاءاتهم مع الدبلوماسيين يقتضي أن هؤلاء الديبلوماسيين الأجانب متورّطون أيضا فيما هو منسوب للموقوفين من جرائم، وهو ما كان يفترض توجيه الاتهام إليهم وطلب سماعهم أو الاحتجاج عليهم دبلوماسيًا والتعبير على أنهم أشخاص غير مرغوب فيهم وطردهم من البلاد. وعدم القيام بذلك يؤكد يقين السلطة التونسية بتهاوي اتهاماتها, ويعبر على رغبتها فحسب في توظيف هذه اللقاءات الشرعية بغاية ضرب المعارضة ومنعها من ممارسة حريتها في التعبير أو الاجتماع.
  • من المعلوم ان الحصانة الدبلوماسية: Diplomatic Immunity  تحول دون ملاحقة ومحاكمة الدبلوماسيين تحت طائلة قوانين الدولة المضيفة. وذلك مانع اخر يمنع سماع الموقوفين بحضورهم او مكافحتهم بهم, مما يجعل التهم الموجهة اليهم مستحيلة الوقوع , لكون الاعمال التي يساءلون عنها جائزة بلا اية شوائب من القانون التونسي او الدولي, كما أن اثبات عكسها بحق الموقوفين مستحيل الاثبات عبر الشهود المتمتعين بالحصانة الكاملة.
  • وقع التلاعب بمضمون المراسلات الإلكترونية لإثبات التهمة على الموقوفين, على سبيل المثال, وقع  مواجهة خيام التركي بأحد المحادثات بينه وبين مسؤولة القسم السياسي بسفارة الولايات المتحدة بخصوص تحديد موعد لقاء بحضور موظفيْن اثنين من السفارة (two officers). غير أن هذه العبارة الإنجليزية تُرجمت في محضر الأبحاث إلى “ضابطيْن” عوضا عن موظفيْن.

Leave a comment

نشرات إخبارية

سجل معنا لتصلك اخر الأخبار

AncoraThemes © 2025. All Rights Reserved.