عندما تجد نفسك خلف القضبان في مصر، متهمًا في قضية ذات طابع سياسي في غياب محاكمة عادلة، فإن الأمل في الحياة يتلاشى تدريجياً. في مثل هذه الأوقات، قد يصبح الموت وسيلة للهروب من انتهاكات حقوق الإنسان التي لا تطاق.
الرسائل المسربة من السجون المصرية حول محاولات الانتحار الأخيرة لعشرات المعتقلين السياسيين ليست الأولى من نوعها ومن غير المرجح أن تكون الأخيرة، في ظل غياب أي رقابة قضائية أو حقوقية على السجون ومراكز الاعتقال السرية في البلاد.
تبرز سجون بدر 1 و 2 و 3 الواقعة شمال شرق العاصمة القاهرة، والمعروفة أيضًا باسم “مركز بدر للإصلاح والتأهيل”، بكونها بؤرة لحوادث الانتحار، وحالات مختلفة من التعسف ضد معارضي التيار الحالي، الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الذل والجوع
وبحسب 19 منظمة حقوقية نددت في بيان مشترك بالتطورات الأخيرة، فإن السلطات المصرية تنفذ سياسة تجويع المعتقلين من خلال توفير الحد الأدنى من الطعام، ومنع زيارة السجناء لسنوات، وكذلك منعهم من تلقي رسائل من ذويهم وأقاربهم، وتحريم الأدوية والرياضة والتعرض لأشعة الشمس.
ولا يتوقف الوضع ند هذا الحد، حيث تشتد العقوبة بالحبس الانفرادي والتفتيش المنتظم ومصادرة المتعلقات الشخصية والحرمان من البطانيات خلال أشهر الشتاء والتعرض لإضاءة قوية تحرم المعتقلين من النوم على مدار الساعة.
وفي الزنازين المصرية، لا يحق للسجناء حيازة مواد النظافة الشخصية ومراقبة صحتهم وتلقي الصحف والكتب أو متابعة وسائل الإعلام. لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال دفع رشاوي لمسؤولي السجن، وهو أمر يختلف من سجن لآخر، حسب نوع المعتقلين داخل السجن.
وتفاقمت التوترات داخل سجون بدر بسبب تركيب كاميرات مراقبة داخل الزنازين لرصد تحركات السجناء على مدار الساعة، مما أثار احتجاجات عديدة. فقد غطى السجناء الكاميرات، وسرعان ما تصاعدت إلى إضرابات عن الطعام ومحاولات لإنهاء حياتهم من خلال ابتلاع الحبوب وقطع الشرايين والشنق.
وتفاقم الوضع داخل السجن بسبب وجود المئات من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، التي أطيح بها من السلطة في منتصف عام 2013. ورغم تقدمه في السن (80 عامًا)، تعرض الزعيم الروحي محمد بديع لاعتداءات، فيما عانى العشرات من الإهمال الطبي، في انتظار الموت البطيء.
عقرب جديد
تم افتتاح مجمع سجن بدر في ديسمبر 2021، ويطلق عليه اسم “العقرب الجديد”، وهو نفس مجمع سجن طرة سيئ السمعة (جنوب القاهرة)، والذي يضم سجن المزرعة وليمان طره وسجن الاستقبال وسجن طرة المحكوم عليه والعقرب شديد الحراسة.
وغالبية نزلاء سجن بدر هم من السجناء السياسيين الذين تم نقلهم من مجمع سجون طره وسط احتفالات رسمية بنجاح مصر في تجهيز سجون تلبي أعلى المعايير الدولية، وتم تغيير اسم السجن إلى” مركز الإصلاح والتأهيل “، وتم إحالة السجناء إلى “النزلاء”.
ويبدو أن التغيير اقتصر على الاسم وحده، إذ لا تزال الظروف القاسية والصعبة قائمة في السجون المصرية، وهو ما أدى في السابق إلى وفاة الرئيس السابق محمد مرسي منتصف عام 2019. وقد يواجه السجناء الآخرون المصير ذاته إذا لم يتم التطرق إلى موضوع تدهور الأوضاع في السجون المصرية، بحسب تحذير سابق صادر عن خبراء أمميين.
وتشير الرسائل المسربة التي تداولتها مواقع تابعة للمعارضة المصرية إلى وقوع 55 محاولة انتحار، ونقل نحو 200 آخرين إلى سجون أخرى. وتم رفض الإمدادات الطبية للسجناء المرضى وكبار السن، وكذلك المصابين بأمراض مزمنة، مثل أمراض القلب والسكري. ونفت وزارة الداخلية المصرية هذه المزاعم في بيان لها على موقع تويتر، قائلة: “لا صحة لما تداولته إحدى القنوات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين (الإرهابية) بشأن وجود انتهاكات في إحدى قوى الإصلاح والإخوان”.
وفي مقابلة حديثة مع ميدل إيست مونيتور، قال معتقل مصري، أفرج عنه مؤخرا، رفض الكشف عن هويته، وأكد أن المعتقلين يخضعون لـ “مراسم” عند وصولهم أو نقلهم إلى سجن جديد. ويشير هذا المصطلح إلى الاعتداء والضرب الوحشي المستخدم “للترحيب” بهم، بالإضافة إلى قص شعرهم بالقوة والخضوع لتفتيش مذل. وتشمل هذه العملية خلع ملابسهم وكشف أردافهم، بدعوى الخوف من إخفاء المحتجزين لشفرات الحلاقة في ملابسهم الداخلية.
واستخدمت زوجة الصحفي المصري، أحمد صبي، المحتجز بسجن بدر، صفحتها على فيسبوك للشكوى من حرمانها من حق الزيارة للعام الرابع على التوالي. وكتبت: “من قال أنه أمر طبيعي مررنا ثلاث سنوات وليس ذلك فحسب بل شهرين إضافيين في السنة الرابعة وما زلنا ممنوعين من الاطمئنان على أحمد؟ أو نرى بعضنا البعض. أين حقوقنا، أبسط حقوقنا؟
الموت البطيء
وفي بيان صادر عن 19 منظمة محلية ودولية، وصف مجمع سجون بدر بأنه نسخة أكثر وحشية وبربرية من سجن العقرب المخزي. وأكد البيان أن هذه الممارسات المنهجية واللاإنسانية دفعت بعض المعتقلين إلى الانتحار.
ومن أخطر محاولات الانتحار نفذت من قبل المعتقل محمود الصعيدي الذي حاول الانتحار بذبح نفسه، مما أدى إلى دخوله المركز الطبي بالسجن في حالة حرجة.
وقبل حوالي شهرين، أفادت وكالة رويترز أن أقارب السجناء قالوا إن سجن بدر حرم السجناء من الرعاية الصحية وأخضعهم لمعاملة عقابية، بما في ذلك العزل.
ووصل عدد الوفيات داخل مجمع سجون بدر نتيجة الإهمال الطبي المتعمد إلى خمس حالات في أقل من عام منذ بدء احتجاز السجناء السياسيين في مجمع السجون.
واعتبر صحفي مصري، طلب عدم ذكر اسمه، أن سوء المعاملة والحرمان من الحقوق الأساسية، مثل الغذاء والدواء، في سجون بدر محاولة لدفع المعتقلين نحو الموت البطيء. وأشاروا إلى أن الضغوط التي تمارس على المعتقلين ووسائل التعذيب سواء كانت جسدية أو نفسية تزيد من الميل للانتحار.
وأضاف الصحفي في مقابلة مع ميدل إيست مونيتور أنه حتى لو حدثت حالات فردية، فقد يعرض ذلك المعتقلين الآخرين لما يعرف في علم النفس باسم “عدوى الصدمة”. كما أشار إلى أن إساءة معاملة أسامة، نجل الرئيس السابق مرسي، لها مغزى ورمزية، ولها تأثير أكبر مقارنة بسجين مجهول، حتى لو كانت رواية محاولة انتحاره غير دقيقة.
بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الحالة الصحية الحقيقية للمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح (72 عامًا) غير معروفة. وتدعي عائلته أن حياته في خطر، حيث أصيب بنوبة قلبية شديدة وحُرم من تلقي العلاج الطبي على نفقته.
وكتب الصحفي والناشط اليساري هشام فؤاد، الذي أطلق سراحه في يوليو الماضي، عبر صفحته على فيسبوك، أن الشيخ المسن والمرشح الرئاسي السابق (أبو الفتوح) تعرض لأزمات قلبية كادت أن تكلفه حياته. وفي إحدى المرات رفض دخول الزنزانة احتجاجاً على الإهمال الطبي، ثم تم إحضار كتيبة كبيرة لإجباره على الدخول.
ونتيجة الإهمال الطبي، ارتفع عدد الوفيات في السجون ومراكز التوقيف المصرية إلى أكثر من ألف نزيل منذ يوليو 2013 حتى نهاية عام 2022، وفقًا لمنظمة حقوق الإنسان.
إيجاد الحقيقة
طالبت منظمات حقوقية محلية ودولية مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق لزيارة مجمع سجون بدر وتقييم مدى التزام السلطات المصرية بالمعايير الدنيا لمعاملة السجناء، واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الانتهاكات بحق السجناء السياسيين.
وانتقد المدافع المصري عن حقوق الإنسان، حمدي علي، خلال حديثه مع ميدل إيست مونيتور، تسييس القضية، سواء من خلال النفي الرسمي أو مبالغة المعارضة لاستغلال الوضع في الدعاية المناهضة لنظام السيسي. ودعا علي إلى وضع خطة لتحسين أوضاع المعتقلين في السجون وحل المشكلة بالإفراج عن آلاف من سجناء الرأي الأبرياء المسجونين ظلماً منذ عدة سنوات أو المطالبة بمحاكمات عادلة لهم.
Source :https://www.middleeastmonitor.com/20230424-why-do-they-commit-suicide-in-egypt-prisons/